حالات التلبس ! امراض عقلية ام ظواهر ماورائية






كل مايؤثر على الانسان وما يضعه في مواجهة مباشرة معه "كالامراض او الظواهر الطبيعة" لايدعها الانسان تمر دون تقديم تفسيرات لها , وهذه التفسيرات تتطور مع مرور الزمن ومع اتساع المعرفة لدى البشر , وكل ماتسعت المعرفة لدى الانسان ضاق الخناق على الخرافة وكلما ضاقت المعرفة على الانسان ملئت الخرافة هذا الفراغ المعرفي , فالانسان القديم كان يجهل ماهية الزالال والبراكين والفيضانات وطبيعة الامراض وبسبب ضيق المعرفة بها اتخذها آلهة للعبادة لاتقاء الشر وعندما تطوٌرت معرفة الانسان بالظواهر الطبيعية واستطاع ممارسة الطب بالاعشاب والقضاء على بعض الامراض اندحرت الخرافة واندثر معها هذا النوع من العبادات , والامر ليس حكرا على الانسان القديم بل حتى في عصرنا الحاضر لازالت بعض الظواهر التي ضاقت بها معرفة الانسان وحلٌت محلها الخرافة , فعلى سبيل المثال كان الغرب في العصور المظلمة يحرقون بالنار من يدعي ان الامراض سببها جراثيم تصيب الانسان ويمكن الوقاية منها ويرون في ذالك كفر وزندقة وشعوذه ,ولكن اليوم عندما اتسعت معرفة الانسان بالامراض اصبحت رفوف الصيدليات تمتليء باللقحات المقاومة لبعض الامراض , وفي الربع الاول من القرن العشرين كان يرى بعض علماء الجزيرة العربية ان التلكس والسيارات وبعض الوسائل الحديثه هي من اعمال السحر والجان وواجهه الملك عبدالعزيز رحمه الله في بداية توحيد المملكة العربية السعودية صدام مع هذه الفئة , ولكن مع اتساع معرفة الانسان اصبحت اليوم السعودية من اكثر شعوب العالم امتلاكاً للسيارات ومواطنيها من اكثر المنفقين امولاً على اجهزة الاتصال الحديثة من جولات وانترنت .. الخ


ولا يخفى على الجميع ظاهرة مايسمى "بالتلبس" لاتكاد تجد ثقافة إلا ولديها معرفة بهذه الحالات التي رافقة الانسان منذ خلقه الله على الارض , وتختلف تفسيرات المجتمعات لها كلن بحسب ثقافتة الدينية والمحلية , فالجهل بماهية هذه الظاهرة يجعل الخرافة البديل الامثل لشغل هذا الفراغ , ولانها حالة على مساس مباشر بالانسان فهي نالت اهتمامه منذ مرحلة مبكرة فاصبح لكل محيط ومجتع بشري تفسيراته الخاصة وطرقه العلاجية , وكعادة المستمثرين والمستغلين لكل مايفزع الناس ويقض مضاجعه تخرج فئات في كل مجتمع لتوظف هذه الظاهر لحسابها الشخصي , فمنهم من يدعي انها ارواح او جان وجدت طريقاً للوصول لجسد المصاب  بسبب البعد عن التعاليم الدينية وكثرت الذنوب والمعاصي ومنهم من يستثمرها لصالحه السياسي ويدعي انها لعنة تصيب كل من لايحب الملك او زعيم الطائفة او يخطط للقضاء عليه كما حصل في القرن الثالث عشر في منطقة البلقان , وعلماء الاجتماع يقولون ان هناك متلازمة ترافق كل الظواهرة التي تكون على مساس مباشر بالبشر كالامراض والاوبئة والظواهر الطبيعية الكارثية وهي متلازمة  الاستغلال الديني والسياسي , لان هيبة ورهبة وسلطان الخوف اوقوى من هيببة  الجيوش ورهبة حرس السلطان !!


في الفترة الاخيرة زاد الوعي لدى الناس بما يتعلق بظاهرة المس الشيطاني واصبحنا نسمع اصواتاً من هنا وهناك تتحدث عن ان هذه الظاهرة امراض عقلية ونفسية ولكن لازال الاعتقاد السائد والاغلب والاكثر شعبية هو ان هذه الحالات بسبب مس ارواح او شياطين ونحو ذالك , ويعود السبب لبقاء التفسير الخرافي هو عدم تمكٌن الطب من إيجاد دواء يقضي على معناة المصابين ويحد من انشار هذه الظاهرة , فالطب لايستطيع تقديم الحلول النهائية لكل الامراض , الطب يستطيع تشخيص مرض السكر ويقلص من معناة المصابين ولكن لايستطيع تقديم حل نهائي للمرض , فلذالك سوف يستمر التفسير الخرافي لحالات التلبس طلما لم يقدم الطب مازيح عن المجتمع رعب هذه الامراض , والتفسيرات التي لايرافقها حلول نهائية  لن تكن مقنعة طلما لايشعر الناس بمفعول فعلي يشاهدونه على ارض الواقع , وبرغم ان الطب نجح في تخفيف معناة البعض وشفاء البعض إلا ان هذا السبب غير كافي لدحر الخرافة , فلو نجح الطب في اجاد علاج ناجع سوف تنتقل الخرافة الى مكان اخر لازال يعاني من فراغ معرفي لتحل محله


يرى علماء النفس ان حالات التلبس تعود الى سببين جوهريين , السبب الاول مايكون مرضاً وراثياً ورثه المصاب من عائلاته وهو انفصام عقلي يجعل الشخص يعيش في اطار شخصيات متعددة بسبب خلل جيني ورثه من اجداده , وتشير الابحاث الحديثة الى تدني مستوى حالات الانفصام "او المس" سمه ماشئت لدى الازواج الخاضعين للفحص قبل الزواج فهذا من العوامل التي ساهمت في تدني هذا النوع من الامراض الوراثية , والسبب الثاني مايكون مكتسباً ويتشر في المجتمعات الدينية المحافظة اكثر من غيره , نتيجة مايمسى "بالرهاب الديني" , وهو ناتج عن الفزع والسوداوية للحياة والخوف من النار والقبر والموت والعذاب  فالطفل الذي يلقن بغزارة عن طريق المدرسة او المسجد او الكنيسة او رجال الدين او جلسات الوعظ والارشاد ومايرافقها من صراخ وعويل وبكاء ونحيب وقصص وحكايات مرعبة تخلق في نفس الطفل عالم سوداوي يعيش فيه كالمفجوع يرى في كل حدث علامة من علامات يوم القيامة وقرب النهاية او غضب إلالهي وفي كل عمل يقوم به تغرير من الشيطان واستدراج للوقوع في الذنب والالقاء في النار , فالاطفال الذين يتلقنون الترهيب بغزارة  ستظهر عليهم بعد مرحلة البلوغ اعراض الاضراب والوساوس والخوف , فغرائز الانسان وطبيعتة تحتم عليه الخروج والابتعاد عن المصادر المسببه للخوف والقلق , فتجد هذا الشخص يجد صعوبة في سماع القران او الصلاة او الذهاب الى المسجد او حتى التوراة والكنيسة ان كان مسيحياً , لان هذه الاشياء سوف تعيد الصورة السوداوية التي تلقاها في طفولته الى ذهنه , فعند الصلاة او قراءة القران او الذهاب الى المسجد او الكنيسة .. الخ يدخل في دوامة الفزع والرعب وتلك الاجواء , وسماع بكاء ونحيب المصلين او الوعاظ يزد الطين بله , وامام عدم قدرتة على قراءة القران او الصلاة يتولد لديه شعور بأنه من المغضوب عليهم وانه من اهل النار ويضع نفسه في صورة الشخص الذي سوف يتلقى السخط والعذاب وسزيد الطين بله لو شخصٌ أحدهم هذه الحالة والاعرض عن القران والصلاة بأنه مس شيطاني او سحر اسود فعيش هذا الشخص في جحيم حقيقي وعذاب نفسي بسبب هستريا الخوف التي قد تصل به الى التشنجات او الصرع والانفصام العقلي , وهو بلا شك ضحية هؤلاء الجهله الذين انزلوا عليه جهنم السماء على الارض ليصتلي بها !
وغالبا ماتعالج هذه الحالات بالعلاج المعرفي وابراز الجانب الايجابي للدين والحياة ورحمة الله بخلقة وان الاديان اوجدها الله للإسعاد البشر , وابراز النصوص الدينية "المنسيه" التي تدل على عظم الدين ورحمة الله بخلقه , وان قليل من الحسنات والاعمال الصالحة تذهب الكثير من السيئات وغيرها من الامور التي لاوجود لها في الخطاب الديني الذي يحتكره في الغالب فئة سوداوية حياتها اشبه مايكون بحياة القبور وللاسف الكثير من الاباء يضعون ابناءهم تحت تصرف هؤلاء المرضى





لقد ادرك بعض علماء الاسلام في مرحلة مبكرة خرافية التصور السائد عن المس , سابقين بذالك التصورات الحديثة التي خرج بها الطب المعاصر , ومن هؤلاء الامام ابن حزم الذي انتقد بشدة وبسخرية من يقول ان الشيطان يتحدث على لسان المصروع وقال رحمة الله في كتاب رسائل ابن حزم (3/228)
( و أما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزامين - يعني بهم الراقون الذين يستعملون العزائم و هي الرقى - و لا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز و نحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام فكيف صار لسانه لسان الشيطان .؟
إن هذا لتخليط ما شئت و إنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها كما قال تعالى (( يوسوس في صدور الناس )) و كما قال تعالى (( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته )) فهذا هو فعل الشيطان فقط و أما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق و جنون ظاهر فنعود بالله من الخذلان و التصديق بالخرافات )

- والامام الشافعي ذهب الى ابعد من ذالك يقول  الإمام الشافعي((من ادعى أنه رأى شيطانا فلا نقبل شهادته، لأن الله سبحانه و تعالى قال: إنه يراكم هو  وقبيله من حيث لا ترونهم )) ,, فالامام الشافعي كان لايقبل شهادة من يدعى ان سمع او رآى الجن ونحو ذالك






- وكذالك من المعاصرين الشيخ   علي بن مشرف العمري وهو من اشهر المشائخ الذين يمارسون الرقية والقراءة على الممسوسين والذي اصبح منزلة في المدينة مزاراً للناس من كل انحاء الوطني العربي وحتى بعض الاجانب من جنسيات مختلفة لما عرف عنه في قدرتة على معالجة الممسوسين في التسعينات الميلادية  , الشيخ العمري اليوم ترك هذه المهنة واعلن انه توصل الى قناعة تامة بعد معالجة آلالف الحالات ان مايعانيه هؤلاء الناس هو انفصام عقلي وامراض نفسية ليس لها علاقة بالجن والمس فغضب عليه من غضب ومازال الرجل متمسك برأيه الى اليوم ولم يعد يستقبل احداً بل ينصحهم بالذهاب للمستشفى بدلاُ من اضاعة الوقت والجهد والمال , بل وفي احدى مقابلاته ذكر قصة لرجل اتاه بقريب ممسوس وقال له هذا الرجل اذا سمع آيت الكرسي وقراءتها ثلاث مرات عليه يبدأ الجني بالنطق , فكيف تقول لايوجد جني ياشيخ وهذه امراض نفسية ! قال الشيخ العمري حسنناً سوف اهمس في اذنه واقرأ آيت الكرسي ثلاث مرات لآرى ذالك , همس الشيخ العمري في اذن الرجل الممسوس وفي كل مرة يهمس في اذنه يعد بأصابعه
عندما رفع اصبعه الثالث ووصل العدد ثلاثة سقط الرجل مغشياً عليه واصبحت تظهر عليه علامات المس , قال  الرجل المرافق للشخص الممسوس  ألم اقل لك ياشيخ ان هذا الرجل ممسوس وها هو امامك بعد ان قرأت آيت الكرسي لثلاث مرات سقط ونطق الجن !!
قال له الشيخ العمري والله لم اقرأ آيت الكرسي وانما كنت انشد "بلادي بلاد العرب اوطاني" !! ( مجلة اليمامة العدد 684)

&& ولكن للاسف مثل هذه الاقوال العقلانية والقريبة الى فهم الاسلام الصحيح ليس سائده في المجتمعات الاسلامية العربية على وجهه الخصوص  , فلا زال المجتمع العربي يعاني من نسبة امية وجهل كبيرين لذا من الطبيعي ان تجد  الاقوال العقلانية واصحابها بعيدون عن دائرة الاهتمام والتأثير وتجد الاقوال الخرافية واصحابها هم المتسيدون على الساحة والاكثر تأثيراً على وعي المجتمع , ولن يعرف احد قيمة هؤلاء الا بعد ان تتسع المعرفة ويضيق الخناق على الخرافة واصحابها


لقاء مع الشيخ على بن مشرف العمري وهو لقاء مطوٌل من عدة اجزاء بإمكانك متابعة الحوار كاملاً عبر اليوتيوب




&& عند النقل ارجو ذكر المصدر ,, والله الموفق

3 التعليقات:

غير معرف يقول...

عندي اعتراض علي الكلام فالمس موجودوالامراض النفسيه موجوده والانسان يعلم ان كان به مس ام لا ولكنالمس لايدخل جسم الانسان بل يوسوس له فقط ولايتكلم على لسانه ابدا ولااحدينكرالمس الااللي لم يجرب المس وكيف تقول على الدين انه يعقدالناس ويكبلهم اجلوش رايك الانسان يتبع اهوائه كالبهائم عشان يصيرمتفتح

غير معرف يقول...

مالت

غير معرف يقول...

عذرا
ولكن المس والتلبس موجود فعلا وانا شخصيا حدث هذا الشي في عائلتي

إرسال تعليق